2009-12-08

فأولى - وحق النساء في تعدد الأزواج




موضوع تعدد الزوجات إستفاض فيه الدارسون و المفسرون و العلماء منذ الأزل و لازالوا كل يغني على ليلاه
أما حديثي عن هذا الموضوع .. هنا والآن و بهذا الأسلوب القح .. مرده تدوينة استوقفتني لأحد المدونين التونسيين الذي نشر على صفحته ردا على مدون آخر من مصر (على ما أضن)

لم أكن من المتابعين لحوارهما المشحون بخلفيات عدة على ما يبدو .. ولكن فيما فهمت .. أن أخونا المصري (إذا) كان قد كتب أولا عن هذه المسألة علق عليه صاحبنا التونسي في رد لم يرق لصاحب الأطروحة الألمعية فقام بحجب التعليق
عمد صاحبنا التونسي بنشر تعليقه على مدونته إحتجاجا و تسجيلا لموقفه و إبلاغا لصوته ورأيه (المفعم بتونسيته) و لما هممت بالتعقيب عليهما وجدت الأبواب موصودة .. نقلت على مسودتي ما كتبت و قفلت عائدا لصفحتي خائبا مكسورا .. ثم فكرت أن أنشر تعقيبي على التعقيب تخفيفا للمرارة .. و تعميما لما يمكنه أن يفيد إن كان فيما كان عندي إفادة

أما الجدال الرئيس .. فقد حام حول بضع كلمات مفصولة من جملةٍ مقضومة .. من آية بيّنة تم عزلها عن سورة .. ميسّرة .. تم إبعدها عن كتاب محكم حكيم
ثم اشتد وطيس النقاش و البيان .. و عُلّق الأمر الجلل على تعليقة ذنب حرفٍ .. حرف "الواو" .. ولو كانت للحروف العربية أنصاف و أرباع كما في جملنا الموسيقية .. لطال الإتهام حد النشاز و الخروج عن النّوته

أما الجملة البتورة .. نبع النقاش فهي : "و مثنى و ثلاث و رباع"
كذا شاء الإخوة الأفذاذ .. واستفاضوا زيادة و نقصانا .. و جمعا و طرحا .. فتبريحا في ذاك الحرف المسكين حتى أني خلت نفسي أراه يترنح تحت وزر ما حملوه على ظهره ! سكت الحرف شاهقا و تكلمت القراءات في زفير طويل طويل

نظرت إلى الحرف مشفقا .. وناداني المنادي أن انزع قفازيك و غص لإنقاذه عسى أن يكون لك فيه أجرا غزيزا. لبيت محاولا إبعاد المناظير عنه مشيرا بإصبعي لحرف آخر سابقه ف .. و كلمة كانت الأولى فأولى ثم آيات و كتاب .. فقلت و ما سمعوا

في رأيي .. كان من الأجدر بادئا البحث في معنى "فأولى" و التبصر في دور حرف ال"ف" وانعكاسه على باقي الجملة حتى يتيسر الوصول لشرح الواو .. ثم التوقف عند الألفاض المختارة لإبلاغ المعنى حيث قال تعالى مثنى و ليس إثنين وقس على ذلك

ثم إنه لمن قصر البصر بتر الآية الكريمة عن مجمل مقاصد السورة .. و لمن ضيق البصيرة عدم الأخذ في الحسبان بالأسباب و المسببات الزمكانية للنزول .. و هنا مربط الفرس حسبما أرى

أعتقد جازما أن أمر تعدد الزوجات قد عف عليه الزمن منذ أمد غير قصير .. و أن البحث فيه في زمننا المعاصر هو أقرب للغباء ومضيعة الوقت منه لأي شيء آخر .. و السبب بسيط .. ديمغرافيا و اقتصاديا واجتماعيا وعمليا و واقعيا أصبح الزواج بأكثر من واحدة أمرا مستحيلا

كان المجتمع المسلم و المجتمعات الآهلة لتلك الأرض و في ذاك الزمان مجتمعات "مقاتلة" لا تقعد عن حرب حتى تخوض أخرى .. و حروب ذاك الزمان ما كانت تخاض بالأزرار و عن بعد .. بل كر و فر و خيل و سيوف و رماح و أنهار دماء.

و الخلل الديمغرافي كان سائدا .. وفرة و كثرة في النساء و قلة و علة في الرجال .. قلت "علة" بإعتبار أن الرجال إن عادوا من ساحات الوغى ما كانوا يعودون دائما سليمين معافين .. علاوة على أنهم عادة ما كانوا يرجعون مثقلين بالجواري الأسيرات المستعبدات من ذوي القبائل و المجموعات المنهزمة في الحروب.
كان لا بد من إيجاد حل عملي إقتضاه الظرف لوفرة النسوة و قلة الكسوة ! دون نسيان الثكالى و الأرامل و اليتامى و إعادة إدماجهم في حياة تلك المجتمعات .. علاوة على إدماج الجواري وفرض حلول للإنعتاق من العبودية

أما اليوم فنحن نعيش زمن القعود عن الحروب .. وإن شنت حرب فبأزرار و قنابل لا تفرق بين جنس أو عرق أو عمر .. المجتمعات المسلمة اليوم نسبيا .. متوازنة النسب الجنسية .. فإن أراد كل منا نكاح المثنى فالرباع لاحتجنا لاستيراد نساء من مجرات أخرى ! أو تهجين أنواع جديدة من أناثي القردة

ثم ماذا لو نظرنا إلى التركيبة الإجتماعية والديمغرافية لدولة كالصين .. و في الصين ملايين المسلمين .. وفي الصين سياسات لتحديد النسل تفرض على كل زوج بشري الحق في إبن واحد لا أكثر .. و الكل يريد ذكرا .. و الأغلبية تمارس الوأد. وهو ما خلف كارثة و اختلالا في التركيبة الديمغرافية للصين .. وفرة ذكور و ندرة إناث .. فيا أيها الفقيه العالم المؤمن بحتمية ووجوب الرباع و أكثر .. تخيل للحضة أنك مفتي الصين فبما تفتي ؟ أبتعدد الزوجات للرجال .. أم تعدد الأزواج للنساء؟ ورجاءا بدون مساحيق و كلام أجوف .. ورجاءا لاتقل أن قراءات السلف العطرين لحنيف الدين صالحة لكل مكان و زمان إلا في الصين.

فالفرق المزري بيننا و بين الغرب أن "باباهم" حين يفتي فللبشرية جمعاء يقوم خطيبا .. وأما نحن فلنا "بابا" و إماما و خطيبا في كل زاوية و ركن .. و حين يفتون لا يبالون بغير أهل الحي و العشيرة والمذهب .. والأدهى في فتاويهم أنهم يستثنون بضيق فكرهم أنصاف دينهم و مفتاح جنتهم و الأمانة في الإصغاء لأنات نصف الأمة

لست مفتيا و لا أدعي ان لي في الفقه باعا و ذراعا .. و لا أتمنى أن أصبح كذلك .. ولو كنت مسؤولا في الصين لأبحت (عقلا و قياسا) أكثر من زوج للصينيات لمن استطاعت إليه سبيلا .. و ما ملكت أيمانهن .. علّ الرجال هناك تتوب في حياء عن التنكيل بالبنات و هن رضع .. أما هنا .. فالبادئ أظلم و ذاك موضوع آخر
فأولى - وحق النساء في تعدد الأزواجSocialTwist Tell-a-Friend

Aucun commentaire: